حوار مع عزيز محمد المرشح في القائمة القصيرة

22/04/2018

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة وماذا كان رد فعلك؟  

كنت في العمل، وقد أبقاني العمل منشغلاً فلم أحظ بفرصة للزغردة، لكني كنت ممتناً بالطبع وسعدت بردود أفعال القراء والأصدقاء الذين تمنوا وصولها.
هل المدعو ك مبني على شخصية حقيقية؟

نعم ولا، ينطبق عليه الجواب التقليدي عن عدم وجود شخصيات أدبية بلا أساسات واقعية، وعدم إمكانية أن يحتفظ شخص حقيقي بحقيقته حين يصبح شخصية أدبية، وهذا سيصحّ لو كتبت عن مغامرات قرصان عجوز بنفس درجة صحته في مذكرات الموظف الشاب.

من الواضح بالتأكيد تأثير فرانز كافكا عليك كروائي. متى بدأ هذا التأثير؟ ومن هم الكتاب الآخرون الذين أثروا فيك كروائي؟ 

لا أتفق تماماً. الواضح أن بطل الرواية يحب كافكا، لكن الحب لا يعني التأثر. ميولك الشخصية أو تفضيلاتك في القراءة لا تنعكس بالضرورة على نبرة الكتابة، وقد تجد نفسك تكتب على نمط كاتب لم تحبه كما ذكر البعض أن أسلوب المدعو ك قريب من بعض روايات موراكامي الذي لا يستظرفه، إلا إذا افترضنا بنفس المنطق أن "كافكا على الشاطئ" هي رواية كافكوية لمجرد أن اسمه مذكور في العنوان مثلاً. 

بخصوص الكتّاب المؤثرين يحضر بذهني جيف كيني في "مذكرات فتى أحمق"، أو "مذكرات طالب" حسب الترجمة العربية. فالفتى في هذه السلسلة يحافظ حتى في أتعس حالاته على خيط السخرية الذي يمكن أن يجذبه في أي لحظة للاستخفاف بسوء حظه، وهكذا يسهل عليه التجاوز والانتقال إلى سوء الحظ التالي من دون أن يعلق في كآبة هذه الدوامة، وهذا قريب بما يكفي بما حاولت فعله مع المدعو ك.

Khéridine Mabrouk / IPAF ©

 

 

ما هى الكتب التي تقرأها الآن؟

أقرأ حالياً عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات للقزويني، وهو كتاب ظريف يختلط فيه الواقع بالخيال والحقائق بالأكاذيب من دون حدود أو قيود، وتجتمع الرصانة والسذاجة معاً من دون أن تنزع إحداهما شيئاً من الأخرى. كما بدأت بقراءة الروايات المرشحة الأخرى لأتعرف عليها بشكل أفضل بعد كل ما سمعته عنها.  

ناقش بعض المهتمين بالإخراج السينمائي رواية "الحالة الحرجة للمدعو ك". هل هناك خطط لتحويلها إلى فيلم؟

لم تُعرض علي أي خطط حتى الآن لكن سأحب لو حدث هذا مستقبلاً. بالطبع بعض التحريف في الأحداث والتيمات والشخصيات الرئيسية سيكون ضرورياً، حتى لو فقدت الرواية هويتها وأنتجت عملاً ذكياً لا يمت لها بصلة. لا أعتقد أن الحفاظ على روح أي نص أدبي هو أمر ممكن عموماً عند معالجته سينمائياً، سيكون من المشوّق أكثر في نظري رؤية النص يُفكّك ويُعبث به ويعاد تقديمه بروح جديدة على يد شخص آخر.   

كيف استطعت الكتابة عن المرض والعلاج بكل هذه التفاصيل؟ 

أحد مرضى السرطان أخبرني أن الرواية كانت شحيحة في عرضها لتفاصيل العلاج، كأني تجنبت أن أفضح عدم درايتي به، وممرضة متخصصة في العناية المركزة نبهتني إلى تفاصيل من الرواية لا تتفق مع خبرتها العملية؛ هذه مجرد أمثلة توضح لك مدى نسبية الحكم على تلك التفاصيل. لكني أعتقد أن المسألة يجب أن تتجاوز كمّ التفاصيل والجهد البحثي وحتى الاتكاء على التجربة الشخصية، فحتى تفاصيل التجربة الشخصية تفشل في أن تبدو صادقة أو مؤثرة إذا لم تُظهّر من الزوايا الأشد شفافية والأكثر اتساقاً مع طبيعة النص؛ هنا يكمن الفرق الدقيق بين الكتابة الأدبية والتوثيق السردي.

أتت الرواية بنهاية غير متوقعة. فبعد كل تلك السوداوية والعبث يأتي بعض الأمل والإقبال على الحياة ولو في مكان آخر. هل هذا يعني أن المشكلة في المكان الذي وجد المدعو ك نفسه فيه؟ وهل كانت هذه النهاية المتفائلة قرار منك ككاتب بالإنفصال عن السوداوية والعبثية وكافكا؟

لا أعتقد أنها نهاية مفعمة بالأمل بل هي أقرب لأن تكون مادية بحتة. طبعاً بإمكان قراءة شاعرية أن تقرن رحيله بفكرة المكان الآخر التي توافق ما ذكره عن "صورة الفنان في شبابه" لجويس مثلاً، أو بإمكان قراءة متعاطفة أن تنسب التغيير الذي حصل له إلى نضجه بعد تجربة العناية المركزة والندم ونوبات البكاء إلخ، لكني لا أملك شكوكاً بخصوص قدرة المال وحده على أن يجعلنا أكثر انفتاحاً وتفاؤلاً ورغبة في الحياة. إنه يوفر لنا رفاهية أن نكون متسامحين تجاه الآخرين وتجاه أنفسنا ويقلص أهمية فشل تجاربنا ويعوض طموحاتنا المحبطة، لذا لا يبدو أثر المادية سيئاً على شخصية المدعو ك في النهاية. إن قبوله بحياة الرفاهية الجديدة تلك هو تتويج لشعوره المتراكم بفقدان الأدب قدرته على التأثير ولتخليه أخيراً عن الكتابة.