حوار مع ديمة ونّوس المرشحة في القائمة القصيرة

23/04/2018

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان ردّ فعلك؟

كنت في البيت بصحبة إبني. استيقظ باكراً ذلك اليوم مع أنه في إجازة مدرسية منتظراً النتيجة قبلي، متتبّعاً أخبارها. بالتأكيد، أفرحني الخبر في غمرة ما نعيشه كسوريين من خيبات ووحشة وإحساس بعدم الجدوى.

"كيف يصبح (الإنسان) وحشا؟ ينام ويستيقظ هكذا؟" (ص.68). هل تبحث الرواية عن جواب لهذا السؤال؟

الرواية تطرح السؤال، وربما تحاول البحث عن الوحش في داخلنا. كيف يمكن لمن عاش لعقود تحت ظلّ التوحّش أن ينجو؟ ما حدث في سورية أخرج تلك الوحوش النائمة، ليتبدّى أن تلك السنوات الطويلة من الاستقرار الواهم والهشّ، كانت تمريناً يومياً على التوحّش.

يأتي شعور نسيم وسليمى بالانتماء من الأشياء الصغيرة، من البيوت أو الطرف الأيمن من السرير. هل أصبحت الأشياء الصغيرة والحميمية بديلا عن الوطن؟

بالضبط. عندما يصبح "القائد" أو "الزعيم" في بلد كسورية، هو الوطن والولاء له وحده، هو الوطنية، يفقد الكائن إحساسه بالانتماء لما هو أكبر من التفاصيل الصغيرة التي يمتلكها. يصبح الجسد هو الانتماء الوحيد وذلك الحيّز الضيق الذي يحتويه، يصبح وطناً بشكل أو بآخر. في بلد تصادر فيه حقوق المواطن، وتتحوّل معالمه التاريخية والحضارية لمؤسسات تحمل إسم "القائد"، ويسجن مواطنوه إن تكلّموا بحرية، تضيق مساحة الانتماء. حتى الشارع المحاذي لبيتك، يصبح غريباً. لا تمتلكين في "وطنك" سوى كنبة ربما وبعض الكتب.


Khéridine Mabrouk / IPAF ©

هل كنت مهتمة، لدى كتابة الرواية، باكتشاف مصادر الخوف المختلفة؟ هل تنتهي محاولات لعلاج الخوف بالفشل أم ترين أن معالجتها ممكنة؟

شغلني موضوع الخوف لسنوات. خاصة في الحالة السورية، حيث خرج الخوف من منطقة الوعي والمنطق فطغى على حيواتنا. ذلك الإحساس الرهيب الذي اختبرته البشرية كلّها، لم يكن طارئاً في سورية، بل مستقرّاً إلى حدّ موجع.والخوف مثله كمثل الفرح أو الحزن، ينتقل من شخص إلى آخر، يورّث، يتجلّى في الخوف مما يخيف حقاً، ثم في الخوف ممّا لا يخيف، ثم في الخوف من الخوف نفسه، من اختبار ذلك الشعور المرعب مرة أخرى، وثالثة ورابعة. الخوف يعالج بالتأكيد عندما تعرف مصادره. أعتقد أنه ارتبط في سورية بما يسمّى بـ"الأبد السوري". القائد إلى الأبد، والخوف إلى الأبد أيضاً. لأن الخوف الأبدي، يبقيه هناك، حاكماً إلى الأبد.

"ها نحن نصير قصة واحدة، نسخا مريضة عن بعضنا بعضا" (ص. 76). هل تقدم الرواية ما يكسر هذه القصة الموحّدة؟

الثورة السورية هي التي كسرت القصّة الموحّدة. حتى وإن كانت نتائجها مرعبة حتى هذا اليوم، إلا أنها حرّرت السوريين من تلك النسخة الواحدة المريضة. ذلك الوحش الذي تحدّثت عنه، ما كان له ليخرج لولا الثورة أيضاً. اختبار هذه المرحلة من التوحّش، أمر لا مهرب منه، ولا بدّ منه للوصول في يوم مهما كان بعيداً، إلى حياة طبيعية يحكمها القانون والمواطنة.

تريد سليمى اقتلاع ذاكرتها لأنها تؤلمها، ويدّعي نسيم أنه فقد ذاكرتها في بداية الثورة السورية. ماذا كنت تريدين قوله حول الذاكرة والوعي؟

الذاكرة مؤلمة حقاً. ترخي ظلالها على الحاضر، تتراكم وتفيض وتشلّ القدرة على ابتداع يوم طبيعي وهادئ. ذاكرة الشعوب في بلدان متحضّرة وديمقراطية، تدوّن، تسجّل، تصوّر في أفلام، تُجمع في مراكز الأبحاث. بينما في بلداننا، ممنوع لتلك الذاكرة أن تخرج إلى أبعد من جدران البيت. حتى لجدران البيت "آذان" في مدننا.تلك الذاكرة الصعبة، حبيسة الروح كانت. لا نلفظها خوفاً على أنفسنا من اختبارها مرتين، خوفاً على من نحبّ من أذى قد تسبّبه، خوفاً من الخوف أيضاً! كلما تراكمت أكثر، عصية عن البوح، كلّما تعاظم إحساسنا بثقلها، نحملها على أكتافنا ونسير بها. أجساد السوريين مبلّلة بتلك الذاكرة. حتى لغة أجسادهم كانت طوال عقود، ثقيلة ومرتبكة. في نهاية عرض مسرحي في دمشق، الصالة ممتلئة، يقف الحاضرون، يصفقّون للممثلّين، سواعدهم ملتصقة بأجسادهم، وحدها أيديهم تصفّق.

لماذا رواية داخل رواية وفيها بطلتان تتداخل قصتاهما؟  

لأنهما نسخة واحدة، كما كل السوريون. تتشابه القصص والمصائر والمشاعر أمام الخوف المشترك الذي عاشوه. الخوف هو الأمر المشترك الوحيد الذي تقاسمه السوريون على اختلاف بيئاتهم وطوائفهم وخلفيّاتهم. ولم يكن "العيش المشترك" الذي فرضه النظام السوري كشعار كاذب إلا "الخوف المشترك".

نجد في الرواية هذه الجملة على لسام نسيم :"الكتابة عن ثورة تحصل أمام أعيننا وفي حيز أحاسيسنا كلها، فهو أمر صعب للغاية. ثم إنّ تجاهل ما يحدث، والكتابة عن موضوع لا علاقة له بمل نعيش، ليس سوى محاولة بائسة للانفصال عن الواقع" (ص. 116). هل هذا هو مأزق الكاتب السوري أم العربي في الوقت الحالي؟

هذا مأزقه منذ سنوات طويلة برأيي. الأنظمة العربية شغلت الشعوب بالقضايا الكبرى، لتحرمهم من قضايا "صغرى" أكثر أهمية بكثير! الكاتب العربي انشغل بدوره بالقضايا الكبرى، عاجزاً عن رواية التفاصيل الحياتية الصغيرة، وكأن الكتابة قضية وطنية بحدّ ذاتها. ثمة عجز عن تحييد السياسة والخيبات والوحشة والخروج من حدود القضايا إلى حدود الأدب. بعد الثورات، انطلقت أصوات روائية جديدة، متحرّرة برأيي من سطوة السياسة والأدلجة، مما منحها حيّزاً أكثر رحابة لاختبار مساحات إبداعية جديدة في اللغة والتعبير.