حوار مع الحبيب السائح المرشح في القائمة الطويلة

30/01/2019

متى بدأت كتابة رواية "أنا وحاييم" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

أقدر أن ثمانية عشر شهرا كانت قد مرت لما اطمأننت إلى أن " أنا وحاييم " أصبحت مسودة نهائية، من حيث البناء، لأنتقل إلى الاشتغال على التفاصيل. وكانت الأشهر الستة التي تلت هي المدة التي استغرقتها موزعة بين مراجعاتي للغة وبين التدقيقات التي تلت مع دار النشر.

لا أدري إن كنت سأقتنع بربط الكتابة الروائية بالإلهام. إني أميل، بدل ذلك، إلى الانشغال الذي يسكن ذهن كل كاتب ويقلقه ويؤرقه. ولو أني لا أنكر عنصر الإلهام ولا كفاءة الموهبة في الصنعة الروائية. ولا أدري بالضبط من أين ولا كيف نبتت في وجداني فكرة "أنا وحاييم" بصيغة أولية غير هذه التي آلت إليها في شكل نص منتهٍ. على بعد المسافة، الآن، التي أخذتها عن النص، يمكن لي أن أعزو بعض ذلك إلى سطوة المكان، أي مدينة سعيدة، التي احتفظت ذاكرة الطفل، الذي كنته فيها خلال حرب التحرير وما بعد الاستقلال، ببعض معالمها التي هدمت أو اندثرت، وكان ذلك مثل جرح بالنسبة إلي، وكذا ببعض ساكنيها من الأقدام السوداء والأوروبيين ومن اليهود؛ هؤلاء الذين كانوا قريبين جدا من الأهالي الجزائريين يتكلمون اللهجة العربية ويكادون لا يختلفون عنهم في اللباس والأكل والتقاليد إذا ما استثنينا الديانة. فالمكان والإنسان، في أي كتابة روائية، مرتبطان بالتاريخ، تاريخ المكان والإنسان نفسيهما. قد أكون، من غير وعي، وأنا أكتب "أنا وحاييم" أعيد ترميم ما تهدم وإعادة بعث ما اندثر.   

 

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيمين عند إكمالها؟

 

الكتابة الروائية، خاصة، هي تمرين متواصل ومستمر. فكلما كانت لنا العافية والوقت استطعنا أن نختصر المدة التي تستغرقها كتابة نص روائي، بعض النظر عن حجمه؛ لأن المسألة مرتبطة بنتائج التمرينات التي سبقت؛ وبهذه الصفة فإن كل نص ننجزه هو تمرين على آخر تالٍ له. ولعل أهم عامل يمكن أن يكون حاسما في التدفق هو التحكم في اللغة: قاموسا وتركيبا. لذا، فإن "أنا وحاييم" تكون استغرقت حوالي سنتين من العمل المتواصل بمعدل عشر ساعات يوميا. وكانت عزلتي الاختيارية في مدينة أدرار، بأقصى جنوب الجزائر الغربي، هي التي، كل مرة مع كل مشروع كتابة جديد، منحتني الفضاء والضوء والتوحد مع ذاتي للبدء في "أنا وحاييم" قبل أن أستكمله في مدينة سعيدة، المدينة التي أقيم فيها مع عائلتي.  

كيف استقبلها القراء والنقاد؟

أعتقد، ونظرا لانتشار وسائط الاتصال، أمكن إقامة علاقة مباشرة ـ ولو افتراضية ـ بين الكاتب وبين قرائه. وهذا أمر مهم جدا. فإن كثيرا من القراء، الذين لا تعرفهم إلا افتراضيا، يخبرونك أنهم اقتنوا روايتك. وأنهم يقرأونها. وغالبا ما يدخلون معك في حوار حولها. إنه لشيء يجدد لديك الثقة بأن تواصل التجربة. ثم إن هناك نوعا آخر من القراء هم الباحثون والطلبة الجامعيون الذين يعدون أطروحاتهم ورسائل تخرجهم. وهؤلاء يشكلون عددا محترما، بحسب الاتصال بك. ولكن أيضا حضورهم حفل توقيع " أنا وحاييم" في معرض الجزائر الدولي للكتاب. أما النقاد فإن الحديث عنهم يستدعي بعض الوقت لـ"هضم" نص "أنا وحاييم"، الذي ما كتب عنه، لحد الآن، من قراء متخصصين ومن كتاب، نشر في مواقع إلكترونية أو في بعض الصحف المرموقة، كان مشجعا جدا.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

صدقا، أنا الآن في مرافقة " أنا وحاييم ". ولكن هذا لا يعني أني بلا انشغال ـ وبعض القلق المبكر ـ عن مشروع جديد قد يفزع في داخلي في لحظة ما؛ وحينها سأكون مضطرا إلى الإجابة عن هذا السؤال القادم من غور الذات: والآن، بعد " أنا وحاييم " كيف ستكتب؟ لأن سؤال : ماذا ستكتب؟ ليس مهما بالنسبة إلي.