حوار مع هدى بركات المرشحة في القائمة القصيرة

15/03/2019

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان ردّ فعلك؟

كنت في بيتي في باريس وعرفت بخبر من ناشرتي رنا إدريس / دار الآداب. فرحت طبعا. ثم غرقت في تفاصيل السفر المضني من أميركا إلى أبو ظبي. ​

متى بدأت كتابة رواية "بريد الليل" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

بدأت الكتابة منذ أربع سنوات، لكن الرواية تغيرت كثيرا وكنت أعيد الكتابة باستمرار

وما دفعني إلى الشكل الأخير كان نفاد مشاهد المهاجرين الهاربين من بلدانهم إلى وساوسي. هؤلاء المشردين في الأرض هربا من الحروب والفقر والإرهاب والدكتاتورية، بخاصة من منطقتنا العربية، المستقلين قوارب الموت ولا يريد العالم النظر إليهم إلا ككتلة غير مرغوب فيها أو كفيروس يهدد الحضارة. في حين رحنا نكتشف تراجع البعد الإنساني لتلك الحضارة وتحصن القوميات بإقفال الأبواب.  

هذا لا يعني أني أريد للبلدان الغربية أن يشرعوا الحدود أو النظر إلى هؤلاء كملائكة. 

أردت فقط الإنصات إلى حيوات تهيم في صحراء هذا العالم. 

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

بدأت الكتابة في باريس في بيتي. ثم أعدت كتابة الرواية بداية في إقامة أدبية في بروكسل ثم استكملتها في إقامة أخرى في بودابست.  ثم كانت في باريس مرحلة ال"تشحيل" في صيغتها النهائية.  ​

قلت في حوار سابق عن شخصيات "بريد الليل" إنها تعيش "غربة جديدة علينا، معقدة جدا". هل يمكنك التعليق؟ 

غربتهم تبدأ من المكان الأول، من بلدانهم، ولا تنتهي في أمكنة العبور ولا في الأمكنة التي يتوقف فيها سيرهم إذ لا هدف لهم من الإقامة فيها. فهي ليست منافي ولا هي هجرات، ولا يشبه ترحالهم لا هذا ولا تلك. مشوا في الأرض كما لم تمش شعوب مثلهم من قبل، اقله في التاريخ الحديث.

يكتب الشخصيات خمس رسائل، مدركة أنها لن تصل. هل تحكي "بريد الليل" عن أزمة التواصل، لأننا – كما قلت – "لم نعد نحسِن قراءة هذا العصر، وقراءة بعضنا بعضاً"؟ 

نعم صحيح. إنها رسائل كُتبت من دون أمل أن تصل إلى المرسل إليه. فهي أحيانا بلا بداية أو بلا نهاية أو عنوان أو توقيع. وكلام الرسالة أو محتواها ليس بالضرورة بوحا حقيقيا صادقا. إنها لحظة يقف فيها كاتبها أمام ليل مبهم ...

نحن لا نحسن قراءة هذا العصر. لا نحسن دخوله ولا الاعتراض عليه. شعوبنا محكومة بالإذعان أو بالعنف الأعمى. إنها مرحلة ارتباك كبيرة و.. حزينة. 

الرواية لا تصدر أحكاما أخلاقية على شخصياتها الوحيدة والمستوحشة رغم إشكالياتها، بل تثير الشفقة في القارئ تجاهها. هل تعتبرين أن أصحاب الرسائل ضحايا الأوضاع السياسية أولا أم المجتمع أم شيء آخر؟  

لا ليس للروائي إصدار الأحكام الأخلاقية أو غيرها. الإنصات إلى الصوت الضعيف الضائع أو المظلوم هو بحد ذاته عمل أخلاقي. الكتابة عن قلقنا وعن ارتباك حيواتنا هو ربما ما يعطي البعد الأخلاقي لهذه الكتابة. قبل الحكم الأخلاقي بنبغي أن ننصت ونحاول أن نفهم.

شخصيات "بريد الليل" ليست ضحايا بريئة بالكامل وأنا لا أكتب لتبرأتها. إنهم مزيج مما صنعته بلدانهم ومجتمعاتهم وإذن هم ضالعون في أمراضها لكني أردت أن يكتب السجان القاتل، مثلا، في لحظة من حياته رسالة إلى أمه باكيا مستمعا إلى فيروز، وإذ نعرف شيئا عن سيرته نرى قليلا تعقيدات هذه السيرة دون أن يكون الهدف تبرأته...

كيف يمكننا أن نحسن قراءة بعضنا البعض؟ هل ساهمت روايتك في ذلك؟ 

آمل ان تكون هذه الرواية قد أسمعت بهذا القدر أو ذاك أصوات حيوات هشة يتم إصدار الأحكام عليها دون فهمها أو استفتاء ما أوصلها إلى ما صارت اليه.

كما أتمنى أن أكون حملت شيئا من أصوات الغرباء الذين لا أحد يستمع إليهم في الغالب.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

رواية أخرى، طبعا.

وللمناسبة أتمنى للكتاب العرب الذين يعيشون في الغرب المزيد من الاستضافات الأدبية في البلدان العربية...