حوار مع طارق إمام المرشح في القائمة الطويلة

21/03/2022

- متى بدأت كتابة رواية "ماكيت القاهرة" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

"ماكيت القاهرة" رافقتني طويلاً منذ بزغت لبنتها الأولى كفكرة قبل أكثر من عشر سنوات، في أعقاب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011. ألهمتني اللحظة بالشروع في رواية عن العلاقة المُراوِحة للفنان بالمدينة والسلطة، ليس السياسية فقط، بل والفنية أيضاً، والتساؤل مجدداً حول دور الفنان والفن، بل وجعل الفن نفسه سؤالاً للفن.

ظلَّت أحداث الرواية فعلاً يومياً متجدداً، لأن الواقع الخارجي كان يُعدِّل الواقع الروائي ويغذيه أثناء الكتابة ذاتها، لتُطوِّر الرواية من نفسها وتستعصي على الاكتمال كلما ظننتُ أنني أوشكتُ على إتمامها، بل لقد صدرت أعمالٌ أخرى لي فيما أعمل في "ماكيت القاهرة" ككتابٍ لا ينتهي. وربما كانت إشكالية ثورة يناير أنها لحظة تاريخية من جهة لكن لم تدخل التاريخ بعد من جهة أخرى، فكل ما تلاها كان يحيل إليها ليجددها كحاضر، ومن هنا كانت صعوبة إتمام نص أشعر أن الواقع نفسه يرفض أن يُغلق قوسه، ما دفعني للتساؤل عن الزمن نفسه داخل الرواية. لذلك فأنا أعتبر روايتي هذه، الحلم الذي تمنيته وشككتُ في تحققه أكثر مما تيقنت منه، حتى أنني عندما تلقيت نسختها الأولى المطبوعة لم أصدق أنها صارت بالفعل كتاباً!

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

كتبت الرواية في القاهرة. كما أسلفت، ظللتُ أكتب وأتوقف ثم أعود للمشروع، بين رجاءٍ ويأس، لكن الكتابة النهائية للرواية استغرقت عاماً كاملاً من الكتابة المتصلة هو 2020، كما شهدت اعتماد هذه السنة كحاضرٍ روائي. ومن الطريف أنني لسنوات كنت أعتمد كل عام جديد باعتباره زمن الحاضر الروائي (حيث تضم الرواية زمنين آخرين هما 2011 و 2045)، ثم أُعدِّل السنة في "الدرافت" التالي مع الدخول في عام جديد من أجل التفاعل مع سمات اللحظة الحاضرة.. ولذلك ظهر وباء "كوفيد 19" مثلاً في خلفية الرواية رغم أنه لم يكن له وجود في مخطوطات سابقة كونه لم يكن له من وجود في العالم نفسه! كذلك كنت ألاحق تطورات لاهثة تشهدها اللحظة مثل "العاصمة الجديدة"، التي وإن كانت فكرة قديمة، قائمة دائماً، وكانت حاضرة في الرواية من البداية، إلا أنها في ذلك العام بالتحديد صارت حقيقة واقعة ومنحتني زوايا جديدة في التناول. 

كيف استقبلها القراء والنقّاد؟

في الحقيقة الاستقبال كان مدهشاً بالنسبة لي حد أنني صرَّحت في أكثر من لقاء أنني اعتبرته "صادماً"، الرواية حققت نجاجاً نقدياً كبيراً ترجمته دراسات ومقالات ومراجعات مصرية وعربية عديدة، لكن المثير أنها أيضاً حققت رواجاً تجارياً كبيراً وظلت منذ صدورها ضمن قوائم الأعلى مبيعاً سواء في المكتبات أو في معارض الكتاب. هذا أسعدني جداً لأني أرى أن الرواية مركَّبة، ورغم أنني بلا شك تمنيت نجاحها على مستوى القراءة، لكن بصراحة لم أتخيل أن يصل إلى هذه الدرجة.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

أعمل على مشروع عن الشاعر السكندري الإيطالي "جوزيب أونجاريتي"، وهي رواية تأريخية ترصد طبيعة علاقة الفرد المراوح على مستوى الهوية بمدينةٍ مراوحةٍ بدورها، في لحظة تاريخية خاصة كانت الإسكندرية فيها تخلع رداء المدينة الكوزموبوليتانية لتكتسب هويةً جديدة. هذا المشروع أحد أحلامي، وهو متصل برواية سابقة لي هي "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" (2012)، ليس كجزءٍ ثان له، لكن كتعميق للسؤال حول علاقة الفرد/ الشاعر/ نصف المصري نصف الأجنبي بالمكان، وعلاقة ذلك بالفعل الشعري نفسه وبالسؤال الوجودي لشخصٍ مغترب في مدينةٍ مغتربة.