حوار مع محسن الوكيلي المرشح في القائمة القصيرة

17/05/2022

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة؟ وماذا كان رد فعلك؟

في صبيحة الإعلان عن القائمة القصيرة قصدت شاطئ أكادير. كلما شعرت بالتوتر ذهبت إلى البحر. نعم، كنت متوترا. الإعلان عن المرشحين لجائزة بحجم جائزة بوكر العالمية للرواية العربية ليس حدثا عاديا. هذ المرة كنت معنيا به أكثر من المرات السابقة، ذلك أنني أحد المعنيين بالترشيح. استلقيت على رمال الشاطئ وانتظرت وعيني على عقرب الساعة، كنت أعرف أن تواتر رنات المتصلين والرسائل الإلكترونية فور الإعلان يعنيان وجودي ضمن القائمة القصيرة. في لحظة استعدت وجه صوفي زهي تطل عبر شرفة بيتها على المحيط تتأمل سفن البرتغاليين، فكرت أن صوفي الجميلة، والمتمردة، تستحق الحياة مجددا في نص آخر. حضرني أيضا وجه بيدرو وغيثة والعياط والناجي، غبت إلى أعن أعادني رنين الهاتف وعبره صوت دافئ يهنئني بوصول إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر. كانت لحظة استثنائية، لحظة خطوت فيها أقرب إلى حلم راودني منذ سنين، دون تفكر صرختُ بصوت عال : ' يحيى الأدب '. عندما التفت رأيت الكثير من الناس ينظرون نحوي باستغراب. على طرف المحيط كان جبل ' أوفلا ' ينتصب بشموخ جبال الأطلس. فكرت أن أعيد تجربة صعوده على قدمي كما فعلت منذ سنوات. لن أشعر بالتعب، كان في صدري فرح يتركل.

إهداء الرواية موجه إلى الأجيال المستقبلية. حدثنا أكثر عن هذا الإهداء وعن علاقة الماضي بالحاضر والمستقبل.

كان الإهداء إلى أبنائنا وحفدتنا. شعرت لسنوات وأنا أدرس التاريخ أن أسلافنا لم يستوعبوا على النحو الأمثل ماضيهم وحاضرهم، وكان حاضرنا المتواضع نتاجا موضوعيا لهذا الفشل. لقد خلفوا شعوبا فقيرة وجاهلة في معظمها بينما كانت أمم أخرى تبني نهضتها وتؤسس لمجتمعات الوعي والمعرفة والحداثة، وكان علينا نحن أن ندفع ثمن هذا التباين والتفاوت بين شعوب الضفتين التي لا يبعدهما عن بعضهما البعض غير بضعة أميال. الكثير من أبنائنا اليوم يحلمون بالمستقبل هناك، بالحياة الواعدة خلف البحار ويركبون مياه المحيط في قوارب الموت ليبلغوا الحياة المنشودة، الإلدرادو الذي يوجد في البر الغربي. خشيت أن يكرر حفدتنا الخطأ نفسه ويعتقدون الاعتقاد المجانب للصواب نفسه؛ أننا أسأنا قراءة ماضينا وفهم حاضرنا الذي يشكل ملامح حياتهم. من هنا كان الطلب الصادق : ' رجاء لا تحاكمونا عما فعل السيل بنا '. التيار الذي يدفع بكل شيء قدما أقوى من مجرد الفهم وإعادة قراءة التاريخ. قد نفلح في فهم الحاضر بصيغة مثلى، لكن فهمنا لا يؤمن بالضرورة لأجيالنا الحياة التي نريدها لهم. هذا الإهداء، رسالة مسافرة عبر الزمن، من حاضرنا الذي سيصير إلى ماض، لعلهم يفهموننا على نحو أفضل. رسالة تعني أيضا أنني منشغلين بهم، وأننا نحاول أن نقدم أفضل ما لدينا حتى نساهم في بناء المستقبل الذي سيكون حاضرهم.

هل فاجئتك أي من القراءات النقدية لرواية "أسير البرتغاليين"؟ كيف تحب لروايتك أن تُقرأ؟

في الحقيقة كانت الكثير من القراءات النقدية بديعة، إلى الحد الذي يمكن أن نوصفها بالمفاجئة لأنها استطاعت أن تلامس جوانب عميقة من رواية أسير البرتغاليين. لقد أستقبل القراء الرواية بشغف وأولاها النقاد اهتما خاصا ولامسوا بالكثير من البراعة بعض غاياتها. قد يفاجؤ الناقد الروائي بقراءة بديعة مثلما يفاجئ الروائي الناقد بنص باذخ، كلاهما يشريكان في صنع اللوحة التي لا تكتمل إلا ببهاء ما يكتبان معا.

حدثنا عن البحث الذي قمت به من أجل الرواية. ما أكبر تحدي واجهته في الكتابة عن هذه الحقبة الزمنية من تاريخ المغرب؟

إزاء كل عمل سردي جديد أحاول قراءة أكبر عدد ممكن من المراجع. جلبت إلى البيت كل ما وصلت إليه يدي من مؤلفات في المكتبات الخاصة والعامة. أعي تماما أن ملامسة وعي الناس وتفكيرهم وانشغالاتهم في حقبة معينة محدد حاسم في مدى نجاح أي نص وكذا في تحديد أي لغة تليق بطبيعة الحقبة. حاولت أيضا، إلى جانب الحصول على المراجع المعروفة تقليديا، أن أتوفر أيضا على مراجع أخرى  تقدم آراء مختلفة بغية اكتمال المشهد. قرأت كثيرا، وبشغف، أنا أعشق التاريخ عشقي، أما عن التحدي الأكبر الذي واجهته في سبيل الكتابة عن هذه الحقبة فتمثل في كون جل المراجع تتحدث عن السلاطين والمعارك والانتصارات والهزائم والأنساب، بينما تغيب أخبار البسطاء وتفاصيل عيش الإنسان العادي. كانت مغيبة لأن الإخباريين كانوا مشغولين بالوقائع الكبرى والملاحم. الرواية، في جزء معتبر منها، تتحدث بلسان المغيب لتقول إن الإنسان البسيط، هو يساهم باقتدار في  صنع التاريخ.

ذكرت في حوار سابق أنك عادة ما تبدأ المشاريع الأدبية في شهر يناير/كانون الثاني. هل لديك طقوس أخرى فيما يتعلق بالكتابة؟

أولا، الكتابة بالنسبة لي حياة كاملة. بمعنى أنني أكرس حياتي للكتابة، كل شيء يدور حولها، يكملها، ويخدمها. من هنا تأخذ طقوس الكتابة أبعادا عميقة. إنها بمثابة طقوس المتعبد. قد أكون مختلقا إلى حد ما عن غيري، أنا أكتب في الضوضاء أكثر مما أفعل في الصمت، أفضل الكتابة في المقاهي والساحات العمومية ومحطات الطرق، أحيانا أركب حافلة إلى مكان ما دون أن يكون محددا من قبل، تغيير الأمكنة يدفعني إلى الكتابة بشكل مختلف.  

من هم الكتاب الذين أثروا فيك كروائي؟

دون تفكير؛ جابرييل كارسيا ماركيز. أعشق كل ما يكتب، من حين إلى حين أعيد قراءة الحب في زمن الكوليرا ومائة من العزلة وخريف البطريرك.. معجب أيضا ببول أوستر، روايته ليلة التنبؤ تحفة أدبية.. عربيا لا يمكنني أن أقفز فوق نجيب محفوظ، إنه كاتب استثنائي ويدين له الأدب العربي بالشيء الكثير.

ما هى الكتب التي تقرأها الآن؟

 أقرأ الآن روايات هاروكي موراكامي.. أعدت قراءة كافكا على الشاطئ مرة أخرى. هذا الكاتب يعرفني على ثقافة مختلفة وجميلة. إنه مبدع بحق.