حوار مع ناصر عراق المرشح للقائمة الطويلة

15/02/2023

متى بدأت كتابة رواية "الأنتكخانة" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

بدأت كتابة أول جملة في "الأنتكخانة" في فجر 30 أكتوبر 2020، لكن الفكرة الجوهرية للرواية نفسها باتت تغزوني منذ أكثر من عشر سنوات، وبالتحديد، حين قمت بزيارة متحف اللوفر بباريس في مايو 2012، إذ أذهلني العدد الكبير جدًا من القطع الأثرية المصرية القديمة التي يضمها القسم المصري بالمتحف، وأذكر جيدًا كيف عكفت حينئذ على عدّ هذه القطع. إنه كنز من الآثار بلغ أكثر من 20 ألف قطعة، فانفجر في رأسي آنذاك بركان من الأسئلة: كيف انتقلت هذه الآثار من باطن الأرض في مصر إلى قاعات العرض في اللوفر بفرنسا؟ ومن بحث عنها بدأب، وما دور المصريين والأجانب في التنقيب والكشف؟ ومتى بالضبط تم العثور إليها؟ ثم متى انتقلت إلى خارج مصر، وبأية وسيلة؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي ظلت تطاردني من عام لآخر، فكنت أكثف قراءاتي في تاريخ مصر القديم والحديث لعلني أصل إلى إجابات مقنعة.

وفي إحدى قراءاتي المستمرة عن عصر الخديو إسماعيل الذي حكم مصر في الفترة من 1863 حتى 1879، اكتشفت أنه أمر بتأسيس مدرسة لتعليم اللغة المصرية القديمة، وأطلق عليها اسم (مدرسة اللسان المصري القديم)، واستدعى من ألمانيا عالم الآثار الألماني هنريش بروجش ليدير هذه المدرسة، والتي لم تستمر سوى سبعة سنوات فقط، ثم أغلقها الخديو نفسه بعد ذلك.

المدهش أن أول مصري تخصص في الآثار كان من طلاب هذه المدرسة، وهو أحمد كمال باشا (أحد الشخصيات الرئيسة في روايتي). في تلك اللحظة بالضبط من التنوير التاريخي/ المعرفي خطرت لي فكرة أولية عن الرواية، ثم تناسلت الأفكار بسرعة لافتة، ثم تلاقحت مع خيالي المنهمر حتى نضجت وتطورت مع عكوفي الدائم على الكتابة بشكل يومي.

 

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

استحوذت "الأنتكخانة" على وقتي وأفكاري وخيالي وأعصابي بامتداد عشرة أشهر كاملة تقريبًا، الأمر الذي دفع شخصيات الرواية إلى مصادقتي في الصباح والمساء لدرجة أنها أقدمت على زيارتي في المنام غير مرة، وأذكر جيدًا كيف عاتبني أحمد أفندي كمال، في الحلم، لأنني جعلته يعشق جوزفين رغم أنه متزوج ويعول طفلين، فقلت له (لا سلطان على القلب يا رجل يا طيب، ولننتظر... كيف ستسير الأمور معك يا أحمد أفندي).

المثير أنني أذكر هذا الحلم جيدًا بتفاصيله كافة، ولما أعلن عن ترشيح "الأنتكخانة" للقائمة الطويلة تذكرت ذلك الحلم القديم، وابتسمت.

يبقى أن أشير إلى أنني ظللت عاكفا على كتابة "الأنتكخانة" يوميًا ما بين القاهرة ودبي حتى استوت فدفعت بها إلى الناشر، وأعني دار الشروق.

 

هل لديك طقوس للكتابة؟

أنا لا أكتب إلا في الصباح الباكر جدًا، حيث أكون جالسًا في غرفة مكتبي منذ الخامسة فجرًا، كما أنني أكتب يوميًا، ولا أتوقف أبدًا، بل لا أتخلى عن الكتابة كل صباح إلا إذا كنت أمر بوعكة صحية. وهكذا أنكفئ على جهاز اللابتوب يوميًا من الخامسة فجرًا حتى التاسعة صباحًا كحد أقصى، ولا أمارس الكتابة بعد ذلك الوقت. وفي ظني أن عقل الإنسان يغدو صافيًا بشكل مذهل عقب الاستيقاظ في الصباح المبكر، الأمر الذي ييسر على الخيال أن يتدفق، وعلى الكاتب أن يروض لغته ويطوعها لما يشاء من أفكار ووقائع وأحداث.

كما أنني لا أكتب إلا في طقس يغلفه السكون التام، فلا همسة ولا نأمة ولا نغمة مهما كانت خفيضة الصوت. فإذا خدش هذا الصمت المطلق أي صوت، حتى لو كان خطوات ابني بعد استيقاظه، أتوقف فورًا عن الكتابة ولا أعود لها إلا في اليوم التالي. وبهذه المناسبة، مع كل فجر أطالع ما كتبته في اليوم السابق بتركيز شديد، وأخضعه للفحص والتمحيص والتطوير، ثم أواصل رحلتي مع أحداث الرواية، وهكذا في كل يوم أراجع ما سبق، ثم أضيف لبنة جديدة في المعمار الروائي الذي أشيده بهدوء، محاولا البلوغ إلى الإتقان الكامل قدر استطاعتي.   

       

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

        أوشك على الانتهاء من رواية جديدة، وسوف أدفع بها إلى الناشر قريبًا.