حوار مع عائشة إبراهيم المرشحة للقائمة الطويلة

15/02/2023

متى بدأت كتابة رواية "صندوق الرمل" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

بدأت الرواية في شهر أبريل 2020 . أما فكرة الإلهام فجاءت من خلال تساؤل يراودني: كيف يشعر الطرف المعتدي في الحرب؟ ما هي الطريقة التي أفرغوه بها من إنسانيته ودفعوه لكي يقتل إنساناً آخر؟ لا شك أن ذلك يستوجب المرور بمرحلة تعبئة فكرية مكثفة، وصادف أن استمعت إلى أغنية إيطالية شدت انتباهي بعنوان (طرابلس أرض الحب الجميلة) أطلقتها مغنية إيطالية اسمها جيا جارسيندا خلال العام 1911، وتحولت إلى فيلم لاحقاً في العام 1954، الأغنية شدت انتباهي وتعقبتُ مناسبتها من خلال المصادر الإيطالية، فأحالتني إلى المناخ العام في إيطاليا، الطموحات والصراعات السياسية وحملة التحشيد للغزو، تأثير الدعاية وحملات الإعلام لتحشيد الجنود والرأي العام، كل ما أعرفه سابقاً عن الحملة الاستعمارية على ليبيا هو ما تقدمه كتب التاريخ من زاوية الجهاد الليبي، ولدينا في الموروث الثقافي والشعبي آلاف القصص التي تغطي تلك الفترة، لكن لا نعلم ماذا عن الجانب الآخر؟ لماذا وكيف تمت التعبئة الإعلامية والسياسية والعسكرية، تتبعتُ الخيوط لأكتشف جوانب أخرى مظلمة من حقبة الاستعمار، تتحدث عن نساء ليبيات تم ترحيلهن الى مستعمرات العقاب، الصحافة الإيطالية تتحدث عن ذلك في كثير من المصادر والمقالات، وحين عدتُ إلى المصادر الليبية، على الأقل الوثائق المتاحة في مركز جهاد الليبيين استغربت كيف تُطوى تلك الصفحة البشعة وتختفي ما يزيد على مئتي امرأة ليبية في جزر باردة مهجورة في جريمة ضد الإنسانية، دون أي ذنب اقترفنه، ودون أي تهمة أو محاكمة عادلة، ربما لا يمكن تقديم الجناة إلى العدالة ولكن الرواية هي محاكمة أخرى للجناة تتجدد بعدد القراء، كاللعنة تطارد القاتل مع كل قراءة جديدة. 

 

هل استغرقت كتابة الرواية فترة طويلة، وأين كنت عند إكمالها؟

استغرقت ثمانية أشهر في الكتابة، وتقريبا أربعة أشهر في تنقيحها، وأما عن مكان الإقامة ففي الحقيقة كنت نازحة مع عائلتي على إثر الحرب في طرابلس ليبيا التي تواصلت منذ منتصف العام 2019 إلى قرابة نهاية العام 2020، في ذلك الوقت غادرنا بيتنا الواقع في منطقة الحرب، وبدأت كتابتها في بيت ريفي قديم بقرية نائية غرب طرابلس عشنا فيه ظروفاً نفسية بائسة، كانت الكتابة هي الضوء الوحيد الذي ينير عتمة تلك الفترة. 

 

هل لديك طقوس للكتابة؟

يجب أن أعترف بأن ظروفي ليست مثالية للكتابة. وظيفتي تستدعي الالتزام بالدوام ثمان ساعات يوميا. أعمل أيضاً محرّرة أخبار صحافية، وهي مهنة تستهلك الكثير من الطاقة الفكرية. أمّا على الصعيد العام، فأنا أقيم في منطقة غير مستقرة. عشت تجربة الحرب والنزوح بكلّ مرارتها وآلامها النفسية. لذلك لا يمكنني أن أدّعي الرفاهية وأقول إنني من أولئك الذين يملكون طقوساً في الكتابة. لست من الذين يجلسون على الشرفة عند السابعة صباحاً ويحتسون القهوة ويكتبون بمزاج رائق. كما أنني لست من الذين يتوافر لهم وقت للسهر يقضونه في التأمل وترقّب الإلهام من وحي الليل ونجومه وسكونه. أنا في أغلب أوقاتي أركض بين المسؤوليات الوظيفية والأسرية. لكن عندما تحين لحظة الكتابة، فهي لا تستأذن أحداً. تأتي كحالة من حنين غامض لشيء مجهول، لعوالم بعيدة كأنها حياة ماضية سبق لي أن عشتها بروح أخرى وجاءت لتملي تفاصيلها. أعرف تماماً اللحظة التي يجب عليّ أن أستسلم فيها لفعل الكتابة. اللحظة التي يتعاظم فيها القلق إلى منتهاه، وتتخلق الأفكار بإلحاح مثير، وتطلّ الشخصيات برؤوسها من خلف الستائر والجدران. حينها يجب أن أنتبذ لي ركناً لأتصارع مع هذه القوى الغامضة، فأنا لا أكتب فقط من أجل الإنجاز، لكن من أجل التخلص من ذلك القلق، والسيطرة على شحناته المتدافعة.

-ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

هناك أفكار لكنها لم تختمر بشكل كاف، كما أنني أؤمن بفكرة أن أفضل أعمالي هو ما لم أكتبه بعد، وبالتالي يجب أن تحقق روايتي الجديدة نقلة نوعية في مسيرتي، وأن تكون مختلفة ومتميزة عن تجاربي السابقة.