حوار مع محمد الهرادي المرشح للقائمة الطويلة

21/02/2023

متى بدأت كتابة رواية "معزوفة الأرنب" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

كتبت "معزوفة الارنب" في حوالي سنتين، وعبر فترات متقطعة، لكن الاشتغال عليها عبر البحث الببليوغرافي والتقصي الميداني ومراجعة الأرشيف استغرق مني حوالي ثماني سنوات متصلة، انتهت في صيف 2022، أما فكرة الرواية فقد كانت تراودني منذ سنوات بعيدة، تمتد لأزيد من نصف قرن.

منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي اهتممت بوضع الروس البيض الذين هاجروا إلى المغرب وجعلوه منفاهم الاضطراري بعد الحرب وقيام الثورة البلشفية، وكونوا ما يشبه مجتمعاً مغلقاً سنوات الحماية الفرنسية. اهتممت أكثر بسيرة الكونتيسة بولين دومازيير التي كانت تشرف بالعاصمة الرباط على قاعة l’atelier لعرض الأعمال التشكيلية المغربية، إضافة إلى الأعمال الهندسية لزوجها، وعبر هذا المسار تأملت بعمق ما قامت به إدارة الماريشال ليوطي في السنوات الأولى للجماية الفرنسية للمغرب عبر الاطلاع على تفاصيل سياسته العمرانية، واستعنت بالأرشيف الفرنسي المتخصص في مجال الإعداد الترابي والتخطيط الحضري والأساليب المعمارية المتبعة، وكل ذلك أدى إلى تبلور فكرة الرواية في صيغتها الأولى، قبل أن تتوسع دائرة البحث على موضوعات أخرى.

 

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

لأتفرغ للعمل والبحث والكتابة أجّرت سكنى بقرية هادئة تقع على شاطئ الأطلسي، بعيدة عن العاصمة بمسافة ساعتين تقريبا. اسم البلدة "مولاي بوسلهام" التي تمتلئ بالمصطافين خلال أشهر الصيف فقط، بينما تكون شبه فارغة خلال باقي أشهر السنة، وخلال ثماني سنوات أقمت فيها كنت متفرغاً للكتابة والبحث، إضافة إلى العمل الصحفي الفريلانس الذي كنت أتلقى منه تعويضاً يغطي بشكل نسبي نفقات التفرغ للكتابة.

 

هل لديك طقوس للكتابة؟

في خلوتي البحرية اثناء كتابة "معزوفة الأرنب"، وحتى في ساعات العطالة والاسترخاء، عادة ما كان مزاجي يميل للإنصات إلى أصوات موسيقى باخ، لأتأمل تركيبتها الإيقاعية وتوزيعها الصوتي، ذلك يفيدني كثيراً ككاتب، موازاة مع سوناتات ونصوص الموسيقيين الروس المذكورين في الكتاب، أحياناً أستمع لغناء فيروز لأحلق مع رقتها، يحدث ذلك غالباً في الصباح الباكر قبل أي شيء آخر، وربما ألوذ بالصمت قبل النزول إلى بئره العميقة، الصمت أيضاً له قيمة أكبر من أي صوت أحياناً، ورغم أنني لا أعرف الإيطالية فقد كنت أحب من حين لآخر أن أنصت إلى الأغاني القديمة لكاروسو، صوته وموسيقاه تخلق لدي "جواً" وشعوراً بحزن لذيذ. لكنني غالباً ما كنت أستسلم لصوت البحر الصاخب على الدوام، والذي يسكن بجواري، وأشعر أنه يدق على الأبواب ويريد الدخول، أو أنصت إلى كائنات الغابة القريبة التي تغطي الأفق على الطرف الآخر من المكان في الصباحات المشمسة، تلك الساعة الأولى من النهار، وأنا منعزل عن العالم، منعزلاً وحدي، يعيدني الصمت، أو الأصوات الخارجية الأخرى، إلى ذاتي الحقيقية، صمت أولاً، ثم أصوات جميلة تحقق لي إشباعاً وامتلاءً داخلياً من نوع نادر، حين يحدث ذلك، أقوم وأجلس أمام الحاسوب لأشتغل وأكتب بقلبي إلى حدود منتصف النهار.

لا أحب الأيام المحبطة، وهي تحدث كثيراً، حيث الكسل والجلوس بلا معنى، والتحديق في الفراغ الأبكم، أشعر حينها أنني كائن بيكيتي (نسبة إلى صامويل بيكيت).

 

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

مشاريع الروايات لا تراود الذهن مستقلة عن بعضها بالنسبة إليّ، إنها لا تتوقف عن التوالد والتناسل، تتحرك دوماً وتنمو وتتلون في نسيج الاهتمامات اليومية.

منذ بضع سنوات كان لدي طموح أن أكتب مشروع سيناريو لفيلم سينمائي، يدور موضوعه عن ما جرى من أحداث غريبة في قرية جبلية منسية. والآن تحوّل الطموح القديم إلى مشروع رواية، وهي بدورها تحتاج إلى وقت للبحث والتحرير كي تنجز كسابقاتها. تغلبت على صعوبات البداية وتوصلت إلى مخطط واضح. الصفحات التجريبية الأولى مشجعة. وهذا مهم جداً. لكن مع التقدم في السن يصبح الوقت تحدياً كبيراً أيضاً.