حوار مع الصديق حاج أحمد المرشح للقائمة القصيرة

18/05/2023

أين كنت وقت الإعلان عن القائمة القصيرة وماذا كان رد فعلك؟

كنتُ ضحوةً بمزرعتي، منشغلا ومتفقّدا زرعي وحرثي وأغنامي، وبعيدا عن المواربة، التي عادة ما يجيب بها بعض الروائيين المعنيين، أنهم كانوا غير مكترثين.. الحقيقة كنتُ مترقّبا متوتّرا بعض الشيء؛ غير أني تلهّيتُ بشيطنة الماعز مع الأغنام، إذ كثيرا ما شدّتني شجاعته، أمام بلادة وبرودة الأغنام، حتى سمعت رنّة الميسانجر، فتحته، فإذا بأحد الأصدقاء، يخبرني بصعود رواية منّا للقصيرة، فحمدتُ الله على هذا الفتح المبين.

متى بدأت كتابة رواية "مَنّا" ومن أين جاءك الإلهام لها؟

بدأتُ كتابة رواية مَنّا منذ 2017، ولعلّ فكرة الرواية كانت حاضرة في هواجسي الإبداعية، عند نهاية رواية (كاماراد.. رفيق الحيف والضياع) سنة 2016؛ لكني وكعادتي آخذ فترة راحة بعد نهاية أي نص من النصوص الروائية، نظرا للإرهاق المصاحب لكتابة النص ومراجعته، قبل دفعه للطبع.

فكرة النص وثيمته، ترجع بالأساس قبل عقدين ونصف من الزمن، يوم كنتُ أُعدُّ أطروحتي بجامعة الجزائر المركزية، حيث اخترتُ دراسة شخصية أدبية كنتية من صحراء الأزواد، فقمتُ برحلة لتلك البوادي والخيام بشمال مالي، متنقلا من خيمة إلى أخرى، منقّبا عن آثار حياة تلك الشخصية، التي انبريتُ لدراستها يومئذ، فاسترعى انتباهي، لوعة الشيوخ، وتوجّع العجائز في حديثهم، عن مأساة الجفاف الذي ضرب مراتعهم ومراعيهم سنة 1973، وما أحدثه من فجائع، غيّرت مسار الصحراء الكبرى، مما أدى بالغالبية الناجية من الموت، بالفرار نحو دول الجوار، بعد هلاك مواشيهم؛ غير أن الذي استرعاني أكثر في تلك الهجرات، هو هجرة التوارق والعرب الحسّان لليبيا، ومقامرتهم مع القذافي في سمكة إبريله، التي قدّمها لهم كطعم، في أمنية الوطن المفقود بالأزواد، مما جعله يفتح لهم معسكرات التدريب، ويوظّفهم في حروب بالوكالة بجنوب لبنان وتشاد، ليعودوا بعد ذلك خائبين بخف حنين، الأمر الذي دعاهم للقيام بثورة في شمال مالي بمدينة منكا سنة 1990، ومن ثمّة قيام حرب الأزواد، التي لا تزال قائمة إلى يوم الناس هذا.

هل استغرقت كتابة الرواية مدّة طويلة؟ وأين كنت تقيم عند إكمالها؟

استغرقت كتابة الرواية مدّة أربع سنوات، بين تنقلات، وبحث في الأرشيف، ومقابلات مع أشخاص عايشوا الأحداث أيام الجفاف أو بليبيا أو بجنوب لبنان أو تشاد، حيث قمتُ بهدم ذلك أخيرا، وإعادة تشكيله وبنائه وفق متخيّل روائي، مبني على برنامج سردي محكم، موّظفا فيه معايشتي للثقافة التارقية والحسّانية، من خلال معرفتي الدقيقة بهذين الثقافتين، فيما قضيت السنة الخامسة في مراجعة النص.

الرواية تستدعي أسئلة كثيرة حول علاقة الكتابة الروائية بالتاريخ. كيف ترى هذه العلاقة؟

التخييل التاريخي مفخّخ.. فإذا انطلقنا من فرضية، أن كل تخييل، له معادل موضوعي من الواقع، فإن الرواية التاريخية، تكتسي خصوصية وحساسية في التعامل والتعاطي معها خلال الكتابة، بيد أن تخييل التاريخ، يرتبط بما يسمى المنطق السردي، الذي على الروائي أن يكون يقظا ومنتبها له، كما أن هناك أمر آخر أشد خطورة في التخييل التاريخي، وهو الزمن التاريخي للأحداث، في تاريخها الأصلي، وفي زمنها السردي بالنص، فخطأ واحد، قد ينسف العمل، ويجعله صفرا.

قلت في حوار سابق إن الصحراء فلسفة ورؤية وإلهام. لماذا تحتل الصحراء هذه المكانة في وجدانك؟

أجل.. الكثير لا يعلم أن تسريد الفراغ والسكون والخواء بالصحراء صعب وشاق.. فحتى تنجح في تسريد الصحراء، عليك أن تكون واعيا متأملا متفلسفا، في كتابتك عن هذا الفضاء، إذ كيف تتصرّف عندما يقتضي منك منطق السرد، أن تسافر بالبطل مسافة 1000كلم في الخلاء والفراغ.. ماذا ستقول؟

وحتى تتخطّى هذه المعضلة، عليك أن تكلّم الحجر، وتستنطق الرمل، وهذه هي المشكلة في سرديات الصحراء، المختلفة عن المدينة الضّاجة بالحركة العامرة بالأشياء، والتي يكون تحرك الأبطال ووصف المشاهد فيها أسهل بكثير من الصحراء، التي لا يمكنك أن تنجح في تسريدها، إلا برؤية وجودية فلسفية.

هل لديك طقوس للكتابة؟

طبعا لكل كاتب طقوسه المعتادة، التي تعوّد عليها، وأصبحت عنده من الصواحب، ولعلّ من بينها خلوة المزرعة، حيث أملك ضيعة فلاحية، أقضي فيها معظم وقتي القرائي أو الكتابي، فالسكون والتركيز أمران ضروريان، لصناعة النص، ضف إلى ذلك الموسيقى الصامتة أحيانا.

ماذا تقرأ الآن؟

أقرأ الآن كتاب تعايش الثقافات.. مشروع مضاد لهنتنغتون للكاتب هارالد موللر ترجمة الدكتور إبراهيم أبو هشهش الصادر بالتعاون بين دار الكتاب الجديد ودار فيشر فرانكفورت ألمانيا 2005.

ما هو مشروعك الأدبي بعد هذه الرواية؟

أشتغل على مشروع سردي واع، رسمته منذ الرواية الأولى (مملكة الزيوان) 2013، واستمر مع رواية (كاماراد) 2016، ونفس الشيء مع روايتي الأخيرة (مَنّا) 2021، حيث في كل رواية تجد مناخا مغايرا لمناخ سابقيها رغم أنهن كلهن، يدرن في مشروع سردي واحد، وهو فضاء الصحراء الكبرى وما جاورها من بلاد الزنوجة؛ لكن لكل واحدة تربتها المحروثة الخاصة، وبذرتها المخصوصة المختلفة، فمملكة الزيوان، تتحدث عن فضاء قصور توات وإنسانها، فيما راحت كاماراد تحاكي الزنوجة ومشكلة هجرتها نحو الفردوس الأوروبي، بينما تمثّلت الرواية الأخيرة (مَنّا) حياة التوارق والعرب الحسّان بالأزواد.

حاليا ارسم خطوط روايتي الرابعة، والتي تظل تمتح من نفس المشروع الروائي؛ لكنها في مناخ وتربة مغايرة لما سبقها.